أصلاح عملية التربية والتعليم …. والارادة الوطنية

أصلاح عملية التربية والتعليم .... والارادة الوطنية

أ.د.عبد الرزاق عبد الجليل العيسى
مستشار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

ان عملية أصلاح المنظومة التعليمية بمجالاتها كافة , التربية والتعليم العالي , لايتحقق اذا اعتمدنا على الجهود النظرية والفكرية فقط بعيداً عن الجهود العملية والممارسات والانشطة الاجرائية والخطوات التنفيذية من قبل القائمين عليها , وممن يؤمنؤا ويعتمدوا الاجراءات القيمية واعادة التقييم لخطواتهم ضمن فترات محددة ويصمموا ويعيدوا رسم الخطط والتصحيح لما هو غير صالح وقويم . ان الاعتماد على معالجة مشاكلنا وقضايانا التربوية والتعليمية المعاصرة نظرياً وعلى الورقة ومن خلال المؤتمرات والتوصيات واللقاءات والحوارات وطرح الافكار النظرية , بعيداً عن التنفيذين والخطوات التنفيذية , والتي من خلالها تحدد المشاكل والحلول من قبل متقني فن الخطابة وتزويق الكلام ولكن في النهاية لانجد الا مجموعة اوراق ومقالات منتشرة في المواقع الالكترونية واحاديث في وسائل اعلام مرئية ومقروءة مملوءة بالافكار المتضاربة لحالة اجرائية واحدة مما يتسبب بزيادة الاثر السلبي لتلك الحالة والكثير من الاشكاليات . ان اصلاح المنظومة التعليمية تحتاج الى ارادة وطنية تولد تياراً علمياً يوجه بأتجاه تحقيق الهدف في الاصلاح ويجب ان تنظر جميع الاطراف المشاركة في عملية الاصلاح الى التربية والتعليم كخدمة مثل باقي الخدمات التي تقدم للانسان وحقيقتها هي صناعة الانسان وتتعلق في بناء شخصيته المتكاملة لكي يقوم في ادواره الاجتماعية المختلفة .
فالتربية والتعليم العالي هي متطلب اولي لعمليات الاصلاح في مختلف مجالات الحياة واصلاحها ضمن مصادر الادارة الوطنية المتعددة الجوانب والاتجاهات واهم محاورها هي الارادة السياسية الصادقة والتي يجب ان تدفع الجهات التنفيذية والتشريعية والاعلامية والمجتمعية لتبني فكرة الاصلاح والتي ستولد تياراً مجتمعياً تكاملياً يتقبل القرارات والخطوات التنفيذية التي تحقق اهداف الاصلاح التربوي والتعليمي المنشود . لذا ان من الضرورات ايجاد بيئات تعليمية تفاعلية جديدة تحترم وتستثمر عقول الشباب في ظل عصر المعلوماتية والانفجار المعرفي الهائل والايمان بأهمية التربية والتعليم في توفير الدوافع الرئيسية للاصلاح المجتمعي الشامل . ولكن للاسف وبالرغم من الكم الهائل من المؤتمرات واللقاءات والندوات والدورات المنظمة من جهات عديدة , بقيت خطوات التصحيح والاصلاح خجولة ومحدودة وبعضها غير هادف وغير مخطط له وليس ضمن الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم العالي التي اطلقت عام 2013 , ويعود ذلك الى جملة من التحديات واهم بعضها مايلي:-
1ـ عدم الاهتمام في تحديد اولويات الاصلاح في التربية والتعليم العالي.
2ـ النظرة الضيقة والجزئية لاصلاح التربية والتعليم العالي من قبل الجهات التشريعية والتنفيذية العليا.
3ـ النزعة الفردية في خطوات اصلاح المنظومة التعليمية , وضعف التنسيق والمشاركة بين المؤسسات والجهات المعنية في عملية الاصلاح.
4ـ غياب السياسات والخطط المؤثرة في أصلاح التربية والتعليم العالي.
حالياً ان المؤشرات الاولية الواجب اصلاحها في المنظومة التعليمية هي الاتي:-
أ ـ الموارد البشرية
ان العنصر الاساسي في قيادة العملية التعليمية والمسؤول عن نجاحها هو التدريسي (المعلم او المدرس اوتدريسي الجامعة ) والناجح منهم هو المتمكن والقادر على توفير بيئة تعليمية تفاعلية للطلبة يراعى فيها قدراتهم واستعداداتهم ويستثمر عقولهم على نحو سليم , ويكون الاساس في بناء قدرات الطلبة المتكاملة في مجالات المعرفة جميعها, ويعد المعلم الاولوية الاولى والمهمة قياساً لجميع عناصر التعليم الاخرى من مناهج وتكنولوجيا تعليم وغيرها من معزرات تعلم الطلبة, والمعلم المقصود والمعتمد هو من يحرك مسيرة تطور وتقدم التعليم مستقبلاً من خلال دوره في قيادة العملية التعليمية بمستوياتها كافة, والمشاركة في عمليات تطوير المناهج العلمية النظرية والعملية وتكنولوجيا التعليم وغيرها من عناصر تعلم الطلبة مع مراعاة مايلي:-
1ـ ضرورة اعتماد ضوابط ومواصفات تربوية وعلمية لاختيار ممن يتقدم للعمل بمهنة التعليم في مؤسسات وزارتي التربية والتعليم العالي واعتماد العمل بأجازة مهنة التعليم ولمن يجتاز اختبارات ضمن المواضيع العلمية والنفسية والتربوية (اي العمل بتمهين التعليم ) وكما هو معمول به في الكثير من دول العالم المتقدم والنامي.
2ـ وضع خطة تاهيلية للكوادر التعليمية العاملة حالياً في مؤسسات وزارتي التربية والتعليم العالي وتكرر ضمن فترات زمنية محددة واخضاعهم للتقييم واعتماد اجازة تمهين التعليم, كذلك , والتي يجب ان تجدد كل سنتين او ثلاثة.

3ـ ربط عملية الترفيع والعلاوة والترقيات العلمية بمعايير اداء التدريسين وانجازاتهم ليس العلمية فقط وانما يجب ان تعتمد على نشاطاهم التربوي والابتكاري والوطني .
4ـ وضع مواصفات ومؤهلات للقيادات الادارية بمختلف درجاتهم والابتعاد عن التعيين العشوائي المعتمد على المعرفة او الواسطة او الانتماء الحزبي.
5ـ اعتماد الخطط والضوابط الرصينة العملية لمنح الموافقات للسماح لكوادر وزارتي التربية والتعليم العالي لاكمال دراستهم العليا داخل وخارج العراق وضمن معايير علمية وتربوية ومواصفات ومؤهلات رصينة واداء وظيفي متميز .
6ـ وضع خطة للابتعاث ضمن التخصصات النادرة والحديثة وللمتميزين في دراستهم .

ب ـ المناهج الدراسية:-
يعد المنهاج التربوي والتعليمي اداة رئيسزية لتحقيق اهداف المؤسسة في تاهيل مخرجاتها ضمن حدود كل شهادة وتخصص . وقد سعت دول العالم المتقدم الى التطوير المستمر لمناهجهم الدراسية تحقيقاً لمتطلبات التطور المتسارع التي تعيشها تلك الدول تحقيقاً لمتطلبات التنمية المستدامة ومجتمع المعرفة وثورة تكنولوجيا المعلومات بالاضافة لاهداف كثيرة ولكن المهم منها هو ان ترتقي المناهج بالطلبة لتكسبهم المعلومات والمهارات والاتجاهات التي تساعدهم على اتقان ادارة مهنهم ضمن تخصصاتهم وتوليد المعارف المتعلقة بها واستخدامها في حياتهم المهنية او الاكاديمية مع الايمان بضرورة متابعة المستجدات والتغيير الايجابي.

لذا ان ايلاء قطاع التربية والتعليم العالي العناية واعادة النظر في كل مخرجاتها وخاصة مناهجها والتي تسهم في تطويرها وذلك بالتدقيق في محتوى هذه المناهج ومقارنتها بالمستجدات العلمية العالمية اضافة الى التدقيق في طرائق واستراتيجيات تدريسها واساليب التقويم والانشطة والرسائل العلمية الداعمة للمعلومات النظرية وجعلها مواكبة للعصر الى جانب التركيز على مبدأ التعلم الذاتي واليات التفكير الناقد لسلوكيات الحياة اليومية مع الاهتمام بالبحث العلمي بمختلف المستويات والحقول المعرفية .
لذا ان ضمان تحقيق الخطوات لاولويات الاصلاح هذه ستتبعها خطوات اخرى لمحاور أخرى ولكن كل هذا يتطلب وجود ارادة وطنية على اعلى المستويات ومن ثم وصولاً للقواعد.