عرقلة الإنجاز…. والتعتيم على المنجز

عرقلة الإنجاز.... والتعتيم على المنجز

أ.د. عبد الرزاق عبد الجليل العيسى
لقد كانت امال العراقيين كبيرة وطموحه كثيرة بعد تغيير النظام الذي حصل عام 2003 والذي تزامن وارتبط مع تبني مفاهيم الحرية والديمقراطية ولكن للأسف لم تتحقق الطموحات والإنجازات التي كان المؤمل والمفروض حصولها بالتوازي مع إطلاق جميع برامج الانفتاح ضمن المفاهيم اعلاه. ومن ضمن هذه البرامج الواجب تبنيها هي عملية البناء والاعمار ودعم قطاعات التربية والثقافة والتأهيل العلمي والتي لا يكن بنائها في ليلة وضحاها وانما تحتاج الى خطط مبرمجة وتقييم ومراجعات أثناء عملية التنفيذ ومن قبل المختصين حصرا ومن دون تدخل اخرين غيرهم. ولكن للأسف بدلا من ذلك فان ما حصل هو التلكؤ في التخطيط والتنفيذ والإنجاز مما أدى الى ضياع الفرص وهدر الأموال والذي يجب ان يتحملها ويحاسب عليها المقصر والمسبب لها.
ونتيجة لسوء التخطيط وللأسف نقول لا يوجد لدينا مقياس وتوصيف صحيح للوظيفة التي يشغلها معظم منتسبي القطاع العام والذي سبب العشوائية في الأداء. وهنا لابد ان نشير الى ان ليس كل مسؤول متنعم في أموال الدولة، وليس كل موظف يستلم راتبا جراء عمله، يقوم بما يمليه عليه واجبه المهني والاخلاقي والوطني وعلى العكس نجد ان البعض منهم، خصوصا أولئك فاقدي الضمير والمسؤولية والأخلاق، يعمل على عرقلة الخطط وإجراءات تنفيذ المهام والمشاريع والبعض الاخر يعملون على تسفيه المنجز وتثبيط عزائم العاملين بإخلاص وضمن الواجب المناط بهم.
ان من الجدير معرفته بأن ليس كل ما يعلن عنه ويشاع هو الحقيقة فلقد رصدت الكثير من مؤشرات إعاقة وعرقلة انجاز مشاريع نافعة للعراق والعراقيين والتي أود ان أفصح عن بعض منها. فمثلا على الرغم من النجاح الذي تحقّق في تصفية واتلاف مخلفات الأسلحة الكيميائية وحصول العراق على الوثيقة الأممية التي تؤيد ذلك الا انه حصلت بعض الأحداث والمنغصات خلال فترة التنفيذ من اجل عرقلته والتي تدل على خسة ودناءة مرتكبيها ومن تلك الأحداث ما يأتي:
الحالة الأولى (التشكيك في الإنجاز): وصلتنا رسالة الكترونية من منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية في شهر ايلول 2017، مع عبارات التعجب والاستغراب، تشير الى استلامهم رسالة من العراق، ومن هاتف نقال أُدرج رقمه، تشكك في إجراءاتنا واعمال اتلاف مخلفات الأسلحة الكيميائية وتنفي إنجازنا في تدمير مخزن (13). علما بان المنظمة كانت متأكدة من سلامة إجراءاتنا وصحتها من خلال خبرائهم ولجان التفتيش التي زارت الموقع لذا كانت إجابتنا بعدم صحة المعلومات وبنفس الوقت تم إحالة القضية الى لجنة تحقيقية.
خاطبنا الجهات المعنية العراقية لمعرفة ملكية هاتف الشخص المتصل ومكان إرسال الرسالة. وبعد أيام وصلنا الجواب بأن الهاتف يعود لاحد منتسبي دوائر العلوم والتكنولوجيا ويعمل رئيس مهندسين أقدم، وتأريخ إرسال الرسالة والمكان الذي أرسلت منه هو مطار بغداد. بعد ذلك شُكلت لجنة تحقيقية، بكل سرية، واُستدعِي ذلك الشخص من قبل اللجنة من دون علمه عن غرض الاستدعاء، ثم وُجِّهت له عدة استفسارات، منها بيان الغاية من كتابته تلك الرسالة والتي انكرها في بادئ الأمر ارسالها إلا أنه اعترف فيما بعد حيث علم بوجود الاوليات لدى اللجنة مدّعيًا انه قرأ عن المشروع في الصحف وبأنه لم يسمع عنه في الوزارة، مع العلم أن العمل في المشروع لم يصرح به في الاعلام ولم يكتب عنه بأية صحيفة لذا صنفت الحالة ضمن مفهوم التصرف بالحقد والكره تجاه منجزات النجاح وقد اتخذت الإجراءات القانونية بشأن الشخص المعني جراء ذلك العمل المشين.

الحالة الثانية (التعتيم على الحقائق): تم تقييم مشروع اتلاف مخلفات الأسلحة الكيميائية والإنفاق والمبلغ المتوقع لإكمال المشروع ونسبة الإنجاز والمدة الزمنية لإنهائه وأسباب تأخر إنجازه الذي بدأ العمل به منذ عام 2011م، ومن خلال الحديث مع السيد رئيس الوزراء حصلت القناعة بوجود مؤشرات فساد مالي، لذا شُكّلت لجنة تحقيقية من اعلى المستويات وسحبت يد مجموعة من المنتسبين في إدارة المشروع مما اضطرنا لاستبدالهم وتسمية بدلاء لهم. وبعد فترة قاربت الشهر من تأريخ استلام إدارة المشروع الجديدة قُدمت لنا طلبات من قبل بعض المنتسبين من دوائر العلوم والتكنولوجيا، بعدد (100-120)، يرغبون فيها بتقليص الدوام وزيادة عدد خطوط النقل ومنحهم مخصصات خطورة وطلبات اخرى فيها خرق للقوانين والتعليمات والأنظمة. وفي الوقت نفسه كانت تصلنا معلومات بأن بعض من هؤلاء المنتسبين يحرضون على التظاهر في أثناء مدة الدوام الرسمي، لذا أصدرنا أمر بمحاسبة أي موظف، والمسؤول عنه إداريا، في حال تركه الدوام والتظاهر. وبعد أيام تجمع بعض المنتسبين عند بوابة مبنى الوزارة ومعهم اثنين من أعضاء مجلس النواب ومراسلين لمحطتين فضائيتين، ومن ثم ظهر بعض المنتسبين على الفضائيات يتحدثون عن مطالبهم واعتراضهم على إجراءات كانت معتمدة في الوزارة قبل تسلمي لإدارتها، فضلاً عن كلام مزيف ومنافٍ للحقيقة وفيه تجاوز على القيم الوظيفية والأخلاقية. وبعد التحري شخص ثلاثة من المحرضين حيث تم سحب يدهم وإحالتهم الى لجان تحقيقية مع تحذير الموظفين الآخرين من أعمال كهذه. ولكن في اليوم الثاني خرجت تظاهرة أمام الوزارة وبعدد لا يتجاوز الـ 30 متظاهرًا، يطالبون بالعفو عن زملائهم مع عدة اتصالات وصلتنا من بعض المسؤولين والبرلمانيين لإعادة النظر بإجراءاتنا في سحب يد الموظفين الثلاثة. عُقِد اجتماع مع بعض المتظاهرين، بضمنهم مسحوبي اليد، وتحدثنا إليهم بشأن الفساد المالي والإداري المؤشر على بعض مسؤولي ومنتسبي العلوم والتكنولوجيا وعن المبالغ التي اُنفقوها على مشروع المثنى ومقارنة بالمبالغ التي انفقناها بيد أن المشروع على مشارف الانتهاء. فعندها قام أحدهم معتذرًا ومعترفًا بأنهم مدفوعون للتظاهر من آخرين وقد صرّح بعدم علمهم بحقيقة الأمر. هنا وعند هذه الحالة تحتاج الى وقفة وقرار بقطع الايادي الفاسدة لكونها تمثل الأيادي الخفية التي تدفع بالمغفلين من المسالمين لخرق الانظمة.
الحالة الثالثة (الشكاوى في القضاء): بعد حصول موافقة السيد رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي على الإعلان عن انهاء برنامج الأسلحة الكيميائية، نظمت احتفالية في القاعة الكبرى في جامعة بغداد، لحصول العراق على الوثيقة التاريخية من منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية في 13/3/2018م. حينها اشرت في كلمتي عن تأريخ وحيثيات المشروع والمبالغ المخصصة له والانفاق الذي حصل والمدة الزمنية التي استنفذت من دون إنجاز قياساً بالمدة الزمنية التي أُنجز فيها المشروع ولم يذكر اسم أي شخص. وكذلك قدم المدير التنفيذي على المشروع د. ماجد الساعدي عرضًا تفصيليًا فنيًا عن المخلفات ومخاطرها والالتزامات المفروضة على العراق بسببها، إلا أنه بعد ايام من انتهاء الاحتفالية وردتنا بلاغات قضائية لدعاوي مقامة علينا وعلى الدكتور ماجد الساعدي بدعوى التشهير بإدارة المشروع القديمة واتهامنا لهم بتهم بعيدة عنهم وعندها تم تخويل قانونيين من التعليم العالي ليترافعوا عنا بالوكالة وبعد عدة جلسات حُسم الأمر لصالحنا. ولم ينته الامر بعد، حيث اقيمت دعوة قضائية أخرى على الدكتور ماجد وشكوى اخرى قُدّمت للبرلمان مع العلم بأن الادارة القديمة قد أحيلت الى لجنة تحقيقية شكلت من خارج الوزارة وبالإضافة الى أن أوليات المشروع كلها أحيلت الى لجنة النزاهة. ان هذه الحالة تمثل عهداً تفشى فيه الانفلات وعدم الحياء وعدم الخوف وما نحتاجه الان هو وقفة جريئة لإلزام الجميع على الالتزام بالأنظمة والقوانين.

ان مؤشرات عدم الانضباط والتمادي في أعلاه وغيرها تحتاج الى إجراءات تعتمد على دراسات علمية واجتماعية ونفسية حيث إن بعض المفسدين في بلدنا الحبيب يتصرفون وكأنهم اصحاب حق، ولو كانت الاجراءات التي تتخذ بشأنهم ضمن القوانين والضوابط الصارمة والتي يتم تطبيقها بحزم وعدم تشريع قوانين العفو العام بين الحين والآخر لساد الانضباط والاحترام والنزاهة في أوساط المجتمع العراقي.